يبدأ المشهد بمجموعة من الاطفال يرتدون الزي الاخضر تشبها بالجيش الاسرائيلي، يقفون وهم يحملون اسلحة بلاستيكية عند حاجز من الاسلاك الشائكة، يمنعونمجموعة من الاطفال من المرور عبر الحاجز.
تتقدم طفلة لم تتجاوز الخمسة اعوام، ترتدي ثوبا فلسطينيا تقليديا تمثل دور عجوز تتكىء على عصا تحاول المرور عبر الحاجز، يدفعها جندي فتقع ارضا ما يدفع المتواجدون عند الحاجز الى القاء الحجارة باتجاه الجنود الذين يعتقلون احد زملائهم.
هذا المشهد وغيره من المشاهد الاخرى التي تعبر عن فصول من حياة الفلسطينيين اليومية، مثله اطفال في احد صفوف رياض الاطفال يوم الخميس، في مدرسة في البيرة في الضفة الغربية، امام ذويهم لمناسبة تخرجهم.
وقالت المعلمة التي تشرف على هذا الصف انها لم تجد صعوبة في تعليم الاطفال اداء هذه المشاهد، واضافت " شعرت بانهم يعرفونها قبل ان اعلمهم اياها".
وعلقت في القاعة التي جرى فيها النشاط المسرحي صورا لمدينة القدس، وخارطة فلسطين التاريخية، وعلق امام الجمهور مفتاح ضخم ملفوف باسلاك شائكة في اشارة الى تمسك الفلسطينيين بحق العودة.
وقالت عائشة بكير مديرة دائرة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لوكالة فرانس برس انه لا يوجد لدى وزارة التربية والتعليم الفلسطينية منهاج لرياض الاطفال لتعليم مثل هذه المشاهد. واشارت بكير الى ان الوزارة تركت اساليب التعليم في رياض الاطفال الى المعلمين المشرفين، لكنها اوضحت " نحن ندرك ان الواقع يفرض نفسه على عقلية ونفسية الاطفال، والمعلمة المشرفة تنظم النشاط بعد حديثها مع الاطفال".
وقالت "الواقع الذي يعيشه الاطفال في فلسطين يوميا يفرض عليهم التاثر بمثل هذه المشاهد، فالطفل يرى الحاجز بشكل يومي، ويرى الجدار، او ان احد اقاربه اعتقل او استشهد، بالتالي فانهم يستجيبون بسرعة في تجسيد هذه المشاهد في انشطتهم".
وتنتشر مئات مراكز الاطفال في الاراضي الفلسطينية، وغالبيتها مراكز خاصة تلتزم بعض المناهج التي اعدتها وزارة التربية والتعليم، الا ان غالبية انشطتها تتم بمبادرة خاصة من المركز.
لكن بكير اكدت ان ليس كل نشاطات الاطفال في رياض الاطفال مرتبطة بالاحتلال. واضافت "هناك انشطة اخرى عديدة ترفيهية، لكن مثل هذه المشاهد تكون جزءا من هذه الانشطة بالعادة".
ويقول المتخصص في علم النفس محمد العوري الذي يعمل في مركز تأهيل ضحايا العنف والتعذيب ان استجابة الاطفال الفلسطينيين مع المشاهد العنيفة "شيء طبيعي ناجم عن تأثير البيئة التي يعيشونها عليهم". ويضيف ان "علم النفس يؤكد ان الطفل في سنواته الاولى يكون مثل الورقة البيضاء، ونفسيته وعقليته جاهزة لاستقبال اي تاثير خارجي، ويسهم هذا التأثير في تكوين شخصيته المستقبلية".
لكن العوري يقول بان التأثير قد يكون سلبيا وليس بالضرورة ان يكون ايجابيا، وقال بانه يعالج طفلا في الحادية عشرة من عمره من مدينة الخليل في الضفة الغربية يعاني من تبول لا ارادي نتيجة حالة خوف عاشها من دبابة اسرائيلية.
ويعاني الطفل من هذه الحالة منذ ان شاهد قبل ثلاث سنوات دبابة اسرائيلية تقترب من باب منزله اثناء جلوسه عند مدخل المنزل.
ويشرح العوري ان مراكز التأهيل النفسي للاطفال الفلسطينيين تستقبل مئات الحالات النفسية وخصوصا "خاصة عقب الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة".
ويضيف العوري انه وفي حال تم تخيير الطفل الفلسطيني في نوعية اللعبة التي يفضل ان يلعبها سيختار فورا لعبة "عرب ويهود".
ويقول "وهذا بالطبع ناجم عن البيئة التي يعيشها الطفل في الاراضي الفلسطينية، الممتلئة بالاحداث الصادمة، والتي ان لم يشاهدها مباشرة في حياته اليومية، سيشاهدها عبر شاشات الفضائيات المليئة بالمشاهد الدامية عن الفلسطينيين".
تمّت قراءة هذه المقالة 15 مرّة